إلى جمال عبد الله :- " تلك هي سلطتهم ... وبنوك يا فتح هم أولئك "
كتب عزّ الدين
أخي جمال :- سامحني إن تأخرت في التواصل معك.. فقد كان قلمي حبيس زنازينهم بعد البرقية الأولى التي بعثتها لك أخي .. افتقدني " أحبتك "واستضافوني فترة نقاهة بسيطة .. فكنت في زنازينهم " ضيف خفيف نظيف " ...! ! أخي جمال :- لقد شارفت أصابع يدي – الثانية – على الانتهاء من حيث عدد مرات اختطافي في سجونهم ولكن ما سمعته المرة فاق كل تصور أخي .. قديما قالوا لي:- "... أخت الياسين " ولكنهم المرة قالوا :- " ... أخت الأنبياء واحد واحد " ! ! أعود لأقص عليك وعلى أحبتنا الذين ينتظرون مقالاتنا من نبأ الحاقدين .. ودعني أسرد لك بعضا مما وعدتك به .
أخي جمال :- ذات يوم دخل علينا مسؤول السجانين وكان أحد الذين حققوا معي وأهانوني.. بدأ بالضرب والشتم والإهانة ، لا زلت أحتفظ في ذاكرتي ببعض من بذاءة ألفاظه ، قال وقتها : " اليهود الله ما بيننا وبينهم .. الله يبعدنا عنهم ويخلينا احنا واياهم صحبة ..هم اولاد عمنا وبنحطهم ع روسنا .. احنا بس تخصص حماميس.. والله لأنسيكم الحليب اللي رضعتوه من امياتكم .. ولك ...أخت الياسين ...أخت الصيام والريّان " ! ! ! ، ثم أخرجنا هذا السجّان واحداً تلو الآخر وحلق لنا رؤوسنا ولحانا بالشفرة ، حقاً.. لقد كان أصعب موقف مررت به في حياتي ! لم أكن أتخيل أخي جمال أنّي سأرى وجهي حليق اللحية وأنا من نذر لحيته سنة لله ورسوله منذ أن نبت الشعر على وجهي .
أخي جمال :- بكيت حتى انتحبت .. بكيت كثيراً كثيرا .. بكيت حينما رأيت ثمانية
مجاهدين يبكون لحاهم .. بكيت حينما رأيت صناديد القسام يبكون ! ! الله أكبر ، ألقسام يبكي ؟! ! ! نعم أخي ، هناك بكى القسام .. في عزل اللئام وسجون الظلّام .. هناك بكى من أبكى ضباط مخابرات الاحتلال حينما وقفوا عاجزين عن انتزاع اعتراف منه باسمه ! ! ! هناك أخي بكى من أمضى في سجون المحتل ست وسبع وثماني سنوات .. بكائي أخي لم يكن كبكائهم بل كان أشدّ .. هم يبكون حلق لحاهم وهوانهم على الظلّام .. أما أنا فقبل ذلك أبكي حظي وحالي بين إخواني .. فقد كنت " الحمساوي " الوحيد فيهم ! ! .. فقد منحني الله شرف الحماس .. بينما وهبهم عزّ القسام .
أخي جمال :- شرّ البلية ما يضحك ، فقد كنّا ثمانية " ديوك ممعوطة " في الغرفة .. جاءت صلاة المغرب .. قدمني " القسام " لأؤمه في الصلاة .. لم أستطع أن أكمل الآية الأولى ، لقد كانت " إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا ، إنّ الله لا يحب كل خوان كفور " وقتها أخي قطِّعت الصلاةُ بأصوات نحيبنا، حينها أخي رفعت يديّ نحو السماء ، " ربّ إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الظلّام .. ربّ إن هذا الظالم قد أرانا قوته علينا فأرنا قوتك عليه .. اللهم أرنا إياها بعيوننا قبل أن تفرج عنّا " .. بعدها بيوم زارنا أهلونا وبكى كلّ من رآنا .. لا أذكر أنّي اطمأننت على أحوالهم في تلك الزيارة شيئا فقد خصصتها مع والدتي وجدتي للدعاء على ذلك الظالم ..
أخي جمال :- والله ما مرت أربع وعشرون ساعة وإذ بذلك الظالم " يُشحَط " إلى الزنازين .. جاءت إخبارية إلى مدير الجهاز تفيد بتعامل ذلك الضابط مع سلطات الاحتلال ! ! ! .. وهنا - وحتى لا يفهمني القارئ خطأً - فكلهم " جاسوسٌ " أخي .. ولكنّ هذا الضابط فُضِح أمره فكان لا بد من حفظ ماء وجه الجهاز أمام عساكره حتى وإن كانت المحاسبة صورية ! ! .. محققي .. الضابط الذي أهانني .. من قذفني في عرضي .. من قذف أخت الياسين .. جاسووس ؟؟ والله أخي حكمت عليه منذ أن رأيته وسمعته والحمد لله الذي لم يخيب ظنّي ، فلم أكن بحاجة إلا لذلك الموقف للتأكيد ! ! سبحان الله ، من جرّعنا حنظل الذل وتفننّ في تعذيبنا وضع في ذات زنزانتي ؟ ! ! ! هناك أخي وفقط هناك أدركت بل أيقنت قول الله عزّ وجلّ " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " ... يا الله ما أقرب الله ! ! !
أخي جمال :- سأروي لك مزيداً من نبأ " الجواسيس " .. من " شُحطَ " إلى الزنزانة وجُرّ جرًّ الخراف وهو يشتم الذات الإلهية .. وبعد ساعة واحدة فقط ينادي على من كان مسؤولا عنهم يتوسل إليهم أخذه إلى دورة المياه ليتوضأ ويصلي .. يا الله كم فرحت وتذكرت قول الله عزّ وجلّ " ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها " .. يا الله ما أغبى الظلّام والجبابرة .. إذا كان لا بد من السجود فلم المكابرة ثم الانقياد ؟ فلِمَ لم يحفظوا ماء الوجوه ويسجدوا طائعين مشرَفين ؟ ! ! !
أخي جمال :- قبل أن تكمل عقارب الساعة دورتها الثانية إذ بذلك الظالم ينادي على مسؤوله ليعترف له بكل شيء مقابل إخراجه من الزنزانة .. والله سجدت حينها أخي .. سجدت شكراً لله على الفرق في الروح والمعنوية بيننا وبينهم .. لقد كان هذا الظالم يأتي كل يوم مراتٍ ومرات .. يحاول اللعب على وتر نفسيتي " ستبقى في الزنزانة إلى أن تعترف " .. وبعد شهور طويلة سئمت فيها جدران الزنزانة مني .. أخرجوني .. يا الله .. من حقق معي شهوراً طويلة لم يستطع احتمال ساعتين " مرمياً " وليس مشبوحاً في الزنزانة ! ! !
أبقوه في الزنازين أسبوعاً كاملا .. لم ننم فيه ليلاً ولا نهارا.. كان لا ينام ودائم الصراخ و لا يفرغ من الطرق على باب الزنزانة ..ومع ذلك فقد كان ذلك الأسبوع من أروع أسابيع حياتي .. فما أروع ذلك اليوم الذي ينتقم لك الجبار فيه ممن ظلمك ! ! .. هنيئا لك أخي ولي ولكل أبناء الحماس لقب " مظلوم " يُسجَلُ في صحائفنا .. هنيئاً للكل هذه المرتبة يوم يقوم الحساب .
أخي جمال :- لقد أوردتَ لي قصةً من أيام الجمالين في " الجنيد " .. حينما أفرجوا عمّن شتم الذات الإلهية وأبقوا مشايخ الضفة رهن الاعتقال .. وكأنّك أخي عرفتَ ما سأختم به كلامي لهذه الحلقة حينما أخبرتك بأنّي سأقص عليك من نبأ " الجواسيس " .. آهٍ يا أيام الجنيد وأيام ال98 .. لقد كان قريبي جارك في تلك الفترة .. وعذب بذات الطريقة التي عذبوني .... وأخرجوه عندكم أخي بعد شهورٍ طويلة من العزل الانفرادي .. ما قدر الله له الخروج من عزله إلا بعد أن صرختم عليه وطلبتم منه الإضراب عن الطعام .. رحم الله الجمالين والسوركجي وقريبي و... ، سامحني أخي فقد سرحت بخيالي إلى تلك الأيام .. أعود معك إلى قصة " الجاسوس" .. فلن أخبرك بأنّ هذا العسكري عاد إلى دوامه ونقلوه من السجن إلى المديرية في مدينة أخرى .. صُدِمتُ حينما رأيته في عمله بعد أن منّ الله عليّ بالفرج .. ولكن سرعان ما تلاشت آثار الصدمة حينما استحضرت جملة :- " تلك هي سلطتهم ... وبنوك يا فتح هم أولئك"
إلى أن ألقاك أخي جمال .. لك مني كل الحب " والحماس "
أخوك في الله عزّ الدين