التأمين ورفع اليدين
ثم اشرع في التأمين آخر هذا الدعاء تفاؤلا بإجابته وحصوله وأصغِ لتأمين الملائكة معك فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – " إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدّم من ذنبه " صحيح
ولهذا اشتدّ حسد اليهود للمسلمين حين سمعوهم يجهرون به قال – صلى الله عليه وسلم – " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين " صحيح
الركوع
ثم ارفع يديك عند النزول للركوع تعظيما لأمر الله واتباعا لسُنّة النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم اشرع في التكبير الذي هو شعار الصلاة في الانتقال من ركن إلى ركن ثم اهبط راكعا والركوع خضوع بظاهر الجسد لذا كانت العرب لشرفها ومكانتها تأنف منه
فانزل برأسك استكانة لهيبة الله وتذللا لعزته وهو ما تعبّر عنه بانحناء صُلبك وخفض قامتك وتنكيس هامتك وكبّره معظما له ناطقا بتسبيحة مقترنا بتعظيمه لذا فالركوع ركن الخضوع للعظمة ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – " فأما الركوع فعظّموا فيه الرب " صحيح .. وانشد كمال العبودية في الركوع بأن تتصاغر وتتضاءل لربك فتُمحي كل تعظيم في قلبك لنفسك أو للخلق فالتعظيم لا يكون إلا لله وحده الذي لا شريك له
واحفظ أذكار الركوع عن ظهر قلب لأنها المعين على استحضار عظمة الرب والخضوع له وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يطيل في الركوع كإطالته للقيام تماما ليكرّر الأذكار في تأنٍ وتدبر ومنها إلى جانب " سبحان ربي العظيم " وكلها صحيحة
1- " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " .. و "الجبروت" من الجبر وهو القهر والغَلَبة فيقصم الجبّارين والمتكبرين أو بمعنى جبر الكسر فيرحم المظلوم والمكروبين أو بمعنى العلو فلا تناله الأفكار و "الملكوت" هو الملك الظاهر من آثار قدرته وعظمته والملك الغائب من الكرسي والعرش والجنة والنار وغيرها و "الكبرياء" وهي الترفّع عن الإنقياد وهي صفة مذمومة في حق البشر ولكنها مدح في حق الله سبحانه لذا تفرّد سبحانه بالكبرياء وقال "الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته" صحيح .. بل وحرّم سبحانه الجنة على من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر
2- " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ..خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي " ... وانظر إلى التخصيص بتقديم بك و لك و "خشع" أي خضع وسكن لك "سمعي" فلا يسمع إلا ما يرضيك فلا أسمع لغوا ولا غيبة ولا فاحش قول ولا غناء و "بصري" فلا يخون من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولا ينظر إلى حرام ولو خشع السمع والبصر لخشع المخ والعظم والعصب بل وكل خلية في الجسم .. ولكن احذر أن يخالف حالك خارج الصلاة قولك داخلها فتتمرّد على الله ولا تخضع لأوامره ونواهيه فتكون قد كذبت على ربك وأنت بين يديه أو تردد ما لا تفهم أو نسيت ما عاهدت الله عليه في الصلاة ألا تستطيع أن تكون رجلا على مستوى الكلمة التي وعدت ربك بها ؟!.... أيها الراكعون راجعوا ركوعكم قبل أن ترفعوا رؤوسكم واعلموا أن قلوبكم أولى بالركوع من أبدانكم وإذا كان الكون كله قد خضع لله فلم يبقَ إلا أنتم
لأول مرة ... أعرض حصائد سمعي وبصري ومخي على قلبي وأحاسب نفسي على ما دخل سمعي وما رأت عيني وما فكّر به مخي من الحرام
لا تكن متمردا ....
يا من لم ترتدي الحجاب أو ارتديتيه دون أن تتأدبي بآدابه وتراعي قدسيته فتزيّنتِ وتعطّرتِ هل خضعتِ لله ؟
يا من تلوث ماله بالربا .. يا من أطلق لبصره العنان وأرخى لشهوته الزمام واقتفى أثر الشيطان .. يا من كَنَز المال فما أخرج الزكاة وبخل على نفسه بالصدقة هل خضعت لله ؟
يا من ساء خلقه وآزى جيرانه هل خضعت لله ؟
3- " سُبّوح قُدّوس رب الملائكة والروح " .. "سُبّوح " هو المُسبّح أي المُبرأ من النقائص والشريك والولد وكل مالا يليق به و " قُدّوس " من القُدس والتقديس هو التطهير .. ومن عجيب ما جاء في تعريف اسم الله القُدّوس أنه المُنزّه عن كل وصف من أوصاف الكمال .!! فأنت إن أردت أن تُثني على ربك نسبت إليه الكمالات التي تعرفها لكن الله سبحانه مُنزّه عن الكمالات البشرية التي يتصوّرها عقلك القاصر والتي قد تصلح أن تُنسب لنفسك أو لبشر مثلك لكنها لا تليق بالخالق العظيم فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك لأنه أعلى وأجلّ .. وقوله "رب الملائكة والروح" يساعد على تعظيم الرب بعظمة خلقه وهل أعظم من خلق الملائكة ؟! والروح هو جبريل عليه السلام ولتعلم عظمة خلق مَلَك واحد يكفيك حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – الصحيح " أُذن لي أن أحدِّث عن ملك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش وبين شحمة أذنه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام " فكيف لا تخضع له وقد خضع له من هو أعظم منك خلقا حتى ازدحمت بهم السماء فما فيها موضع قدم إلا ومَلَك ساجد لله
واسأل نفسك في جلسة صفاء وحضور قلب ونقاء هل أخضع لله بكل جوارحي وكياني في رمضان ثم أنساه بعد رمضان ؟ هل أرتدي الحجاب في موسم الحج والعمرة ثم أخلعه بعدهما ؟ هل أرجع لله تائبا مستغفرا تحت وطأة المرض أو الفقر ثم إذا شفاني أو أغناني أنساه وأهجره ؟ هل أبكي ويرقّ قلبي بعد موت قريب أو دفن حبيب ثم ما أسرع أن يلهيني الدينار وتعاقب الليل والنهار ؟ وبجملة ما سبق تجدك تسأل نفسك هل أخضع لله خضوعا موسميا أو مؤقتا ؟؟؟
4- " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك , اللهم اغفر لي " .. وطلب المغفرة نتيجة عملية وثمرة للخضوع لله و "وبحمدك" لأن كل نعمة بحول الله وقوته فتسبيح الله إشارة لصفات الجلال والحمد إشارة لصفات الكرم وتقديم الثناء والمدح أرجى لإجابة الدعاء "اللهم اغفر لي" ومع أن هذا الدعء مشروع في الركوع والسجود فله طعم هنا وطعم هناك ففي الركوع يرتبط بالخضوع للعظمة والله بعظمته لا يُعجزه أن يغفر ذنوبك وان كانت مثل الجبال الشاهقة أما في السجود فهو مرتبط بالتذلل لله والافتقار إليه
وبتقّلبك بين هذه الأدعية الأربعة إضافة إلى "سبحان ربي العظيم" تصل إلى هدف الركوع وهو الخضوع لعظمة الله سبحانه وإن لم تَصل لهذا المعنى فلا ترفع رأسك حتى تَصِله
لأول مرة .. أراجع نفسي في تحقق خضوعي لله هل هو في السر والجهر والجد والهزل والهدوء والغضب وفي كل أوقاتي وأحوالي ؟ أم أني خائن له في بعضها .. وبهذا أحدد التجاوزات وأسعى حثيثا فور التسليم لمعالجتها بعون الله وتوفيقه
القيام من الركوع
ثم انتقل إلى مقام الاستواء والاعتدال رافعا يديك واقفا في خدمة ربك وبين يديه كما كنت في القراءة واستبشر بقولك " سمع الله لمن حمده " فمعناه : سَمِع سَمْع قبول وإجابة ثم أحمد الله على ما حُرم منه غيرك كما في الفاتحة وأكثر من حمد الله والثناء عليه بقولك " ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد , أهل الثناء والمجد , أحق ما قال العبد وكلنا لك عبدك , اللهم لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " صحيح ...
وافهم المقصود " ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما" أي ملء العالم العلوي والسفلي والفضاء بينهما فهو حمد يملأ الكون والوجود و "وملء ما شئت من شيء بعد" وهذا يشمل ما فوق تصوّرات عقلك وإدراكه مما فوق السماء وتحت الأرض وما لم يُخلق بعد فهو لكل المكان والزمان والخلق و " أهل الثناء والمجد" لتعود للحمد والثناء والمجد ليتجدد تعظيمك لله و" أحق ما قال العبد" أي أن هذا الدعاء أصدق دعاء وأحقّ قول قاله العبد فليس فيه ذرّة كذب أو زيف و " اللهم لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت" تغرس في قلبك اليقين فالله هو المُتفرّد بالعطاء والمنع
لأول مرة .. أوقن بما قسم الله لي ويطمئن قلبي على رزقي وأجلي فلا أقلق ولا أضطرب ولا أحقد على غيري ولا أحسده بل يمتلىء قلبي بالرضا والتسليم
و "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" أي لا ينفع عنده ولا يخلّص من عذابه ولا يُدني من كرامته رئيس ولا ملك ولا غني ولا ذو سلطان إنما ينفعهم التقرّب إلى الله بطاعته وإيثار مرضاته .. فعِش في أنوار هذا الدعاء أو اختر الدعاء الذي تتسابق الملائكة في رفعه " ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه " أو قُل " اللهم ربنا لك الحمد " فإن حدث ووافق حمدك حمد الملائكة من حولك فيا بشراك يمغفرة ما تقدّم من ذنبك كما أخبر حبيبك – صلى الله عليه وسلم –
على موائد السجود
ثم كبّر الله وخرّ له ساجدا ولا ترفع يديك للسجود لأن اليدين ينحطّان للسجود كما ينحطّ الوجه فهبوطهما يُغني عن رفعهما ولم يُشرع كذلك رفعهما عند القيام من السجوم لأنهما يُفعان معه كما يوضعان معه .. والسجود أبلغ هيئات العبودية لذا أمرنا الله به خشوعا وتذللا بين يديه لتنسلى كبرك أو استعلاءك
ويكفي السجود شرفا أن الله تعالى جعل علامته في أشرف أعضاء الإنسان وهو الوجه حين قال " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " الفتح 29 وفسرها مجاهد بأنها الخشوع وفسّرها غيره بأثر الخشوع وهو النور والبهاء الذي يعلو وجوه الساجدين .. ويكفيه فضلا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يعرف أُمّته يوم القيامة بكونهم غُرا من أثر السجود فمن كان أكثر سجودا في الدنيا كان وجهه أعظم ضياءً وأشد إشراقا يوم القيامة فيعرفه النبي – صلى الله عليه وسلم – أسرع من غيره ولقد سجدت الأمم من قبلنا فلم يظهر على جباههم شيء فتلك علامة تُميّزنا يوم الحشر
وظائف السجود الستة
1- الذل والإفتقار
مكِّن أعز أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب لتتدارك ما نزل بك من الغفلة والإعراض وأقرب باب تدخل منه على ربك هو باب الإفلاس فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما يمنُّ به على ربه أو يتطاول به على خلقه بل يدخل من باب الافتقار والإفلاس ويشهد أن في كل ذرة من ذراته فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى وإن تخلى عن ربه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تُجبَر إلا بالعودة لمولاه ليتداركه برحمته
وإن أمكنك أن لا تجعل بينك وبين الأرض حائلا فتسجد على الأرض مباشرة فافعل فذلك أجلب للخشوع وأدلُّ على الذل وهكذا كان يفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وتيقّن أن الأرض سترُد إليك يوما ما هذا الجميل وكما قال عطاء الخرساني "ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت" ... وضع رأسك راغما أنفك مُعفّرا وجههك وقد سجدت يداك وركبتاك ورجلاك وارفع بطنك عن فخذيك وفخذيك عن ساقيك وعَضُديك عن جنبيك ولا تضعهما على الأرض ليأخذ كل عضو حقه من الخضوع والخشوع
وبقي خشوع الباطن فلا بُد للقلب من السجود كما سجد الجسد فكن متذلل القلب لعظمة ربك مُنيبا إليه مُستكينا خاضعا مُنكسرا فعليك بسجود القلب سجدة لله لا يرفع منها حتى تلقاه
2- القُرب القُرب
واستشعر في سجدة أخرى لذة القُرب من الرب الجليل لذا قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم – " واسجد واقترب " العلق 19 ... ولعل هذا هو السر في الراحة القلبية العظيمة والسكينة الروحية العالية التي يجدها الساجد في سجوده ويحس بها إذا أطال فيه – أوضحت دراسة علمية أن تعرض الإنسان لجرعات زائدة من الاشعاع والمجالات الكهرومغناطيسية يشوِّش على الخلايا ويُفسد عملها ويسبب العديد من الأمراض فيأتي السجود بمثابة وصلة أرضية لتفريغ الشحنات الزائدة بوصل الجبهة بالأرض والعجيب أنها أوضحت أيضا أن السجود تجاه مكة –مركز الأرض- هو أفضل وضع لتفريغ تلك الشحنات لتتخلص من الهموم وترتاح راحة نفسية عميقة وبسببه أسلم رجل ألماني لأنه رأى المسلمين على الهيئة التي اعتادها كلما أراد الاسترخاء - وبسبب القُرب يستجيب الله الدعاء
3- دعاء الملهوف
وفي سجدة ثالثة بُث إلى الله شكواك وارفع إليه حاجتك وتوٍل إليه أن يؤيدك ويقف بجانبك لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – " وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِنٌ أن يسجاب لكم " صحيح قَمِنٌ : حقيق وجدير فادع الله بحاجتك ولك الوعد بالإجابة على لسان نبيك – صلى الله عليه وسلم – وفي الحديث " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " صحيح ... ومن منا يعيش بلا مُنغصات من ذنب يؤرِّقه أو زوجة تُضايقه أو ولد يعُقّه أو رزق يعسر عليه أو رئيس عمل أو جار أو مرض أو غيره مما يدفعك دفعا للدعاء ... ولا تكن أنانيا في دعائك بل ادع لإخوانك وقلِّد أبا الدرداء الذي قال "إني لأدعو لثلاثين من إخواني وأنا ساجد أسميهم بأسمائهم وأسماء آبائهم"
وإياك أن تعوق الإجابة بيأسك منها وأبشر بما قال سفيان بن عيينة "لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ قال رب أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين"
لأول مرة ... أطيل قرع باب الله في طلب حاجتي وحل مشاكلي وكلما أطلت وجدت من الراحة ما يشرح صدري ويُسر قلبي ولأول مرة أذكر غيري وأدعو للمسلمين المستضعفين في كل مكان وأخصص لهم صلوات كاملة ودعوات وفيرة
4- الحط من الأوزار
وأحسّ في سجدة رابعة أن ذنوبك موضوعة فوق رأسك وكلما خشعت وبكيت وصدقت في خشوعك وبكائك كلما تساقطت عنك الذنوب ذنبا ذنبا حتى ترفع رأسك من سجدتك بغير الوجه الذي سجدت به .. قال – صلى الله عليه وسلم – " إن العبد إذا قام يصلي اُتي بذنوبه كلها فوضِعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه " صحيح
5- العزة والفخار
واستشعر في سجود خامس روح العزة وأنك لا تحني هامتك لأحد إلا الله ولا تذل إلا لله ولا تستعين ولا تتوكل إلا عليه وتعلّم من الإمام أحمد دعاءه "اللهم كما صُنت زجهي عن السجود لغيرك فصُنه عن المسألة من غيرك"
لأول مرة ... أراجع نفسي حين أطلب شيئا من غيري وأصون وجهي عن الإلحاح في سؤال الخلق عن ما قسمه الله لي وأكتسي ثوب العزة وأطلب من الله بدلا من الخلق
6- عبودية المراغمة
وفي سجدة سادسة امتلىء بنشوة الانتصار ولذة الظفر وأنت تقهر عدوك واسمع وأنت ساجد صوت شيطانك وهو يبكي قائلا "يا ويله اُمر بالسجود فسجد فله الجنة واُمرت بالسجود فعصيت فلي النار" .. وليس أحب إلى الله من عبوديتة المراغمة وهي إرغام أنف عدوه في التراب وليس أعدى لله من إبليس لذا عظم قدر السجود عنده وقرّب من يفعله
وكرر هذه الوظائف الستة في صلاتك الواحدة أو اجعل لكل صلاة وظيفة منها وبذلك تهتدي راشدا كلما هويت ساجدا وتُشفى سريعا كلما دعوت طويلا
أذكار السجود
إن إطالة السجود كان سمة النبي – صلى الله عليه وسلم – فكان سجوده مقدار قراءة خمسين آية وكان يقول " إذا صلى أحدكم فليُتم ركوعه ولا ينقر في سجوده فإنما مثل ذلك كمثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين فماذا يُغنيان عنه " حديث حسن ... فكما لا تُشبع التمرة الجائع لا يشعر بطعم الصلاة المُتعجِّل بل ربما انقلب إحساسه إلى ضيق وكسل ولذا نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن نقرة الغراب وإليك ما كان يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في السجود
1- " سبحان ربي الأعلى " ووصف الرب بالعلو في هذه الحالة في غاية المناسبة لحالك لأنك قد هويت لأسفل ووجهك على الأرض وتذكر أن تُنزّه ربك عن كل ما لا يليق به مما يضاد علوه وعظمته
2- " اللهم اغفر لي ذنبي كله دِقّه وجِلّه وأوله وآخره وعلانيته وسِرّه "
3- " اللهم اغفر لي خطئي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني الله اغفر لي جدّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت " ... وردد هذين الدعاءين في سجدة ندم تؤكد و تتجدد فيها توبتك التي سبق وأن أعلنتها في دعاء الاستفتاح وتذكر اسرافك على نفسك لتذرف الدموع الغزار فتندم تائبا وتخرج نقيا طاهرا وتذكر كذلك سرائرك التي خُنت فيها عهدك ومزاحك الذي استولك فيه الشيطان فكذبت وتمثّل كذلك عبوديتك وفقرك لله واعلم أن مفتاح الإجابة صدق الإنابة
4- " اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوّره فأحسن صوره وشقّ سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين " ... ردد هذا الدعاء في نوبة حياء من توالي نعم الله عليك مع توالي عصيانك له وتتابع إحسانه مع تتابع إساءاتك وتأمل حالك إن عشت في عالم من الظلام كما يعيش العُميان أو عشت في عالم الصمت الرهيب كما يعيش الصُم لتدرك نعمة الله عليك
5- " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " وهذا الدعاء تتستغفر فيه من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادة الله سبحانه والثناء عليه ومدحك بقول "لا أحصي ثناء عليك" أي لا أطيقه ولا أحيط به و"أنت كما أثنيت على نفسك" اعتراف بالعجز عن الثناء فأنت لا تدركه مهما حاولت ولأنه لا نهاية لصفاته فلا نهاية للثناء عليه
تعلّم هذه الاشراقات السجودية من أقوال الصحابة والتابعين
• اللهم إني خائف مستجير فأجرني من عذابك وسائل فقير فارزقني من فضلك لا مذنب فأعتذر ولا ذو قوة فأنتصر ولكن مذنب مستغفر
• رب زردني لك خشوعا كلما زاد أعداؤك لك نفورا ولا تكُبّن زجزهنا في النار من بعد السجود لك
• عظُم الذنب عندي فليحسن العفو عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة
حالك بين السجدتين
ثم ارفع رأسك من سجودك واعتدل جالسا وتعلّم عظم شأن الجلوس لأنه محفوف بسجدة قبلة وسجدة بعده وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُطيل الجلوس بين السجدتين ويقول " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني " وتأمل هذه الكلمات التي تجمع خير الدنيا والآخرة ... فالرزق يجلب مصالح الدنيا والعافية تدفع مضارّها .. والهداية تجلب مصالح الآخرة والمغفرة تدفع مضارّها .. والرحمة تجمع ذلك كله .... وتذكر تقصيرك في حق مولاك ورغبتك في مغفرته وأن يعافيك من إبتلاء بالذنب وأن يهديك طريق الهداية الذي لا رجعة فيه وأن يرزقك حلاوة الطاعة
ولو لم تخرج من صلاتك بغير إجابة هذا الدعاء لكفاك وفضُل عليك وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لمن سأل كيف أقول حين أسأل ربي ؟ قال " قل:اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني " وجمع أصابعة الأربعة إلا الإبهام " فإن هؤلاء يجمعن لك دينك ودنياك " ... وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُكثر من الاستغفار بين السجدتين ويلِحُّ على الله " رب اغفر لي رب اغفر لي رب اغفر لي "
وتخيّل نفسك أيها المُصلي أنك تجلس جاثيا على ركبتيك تنتظر أن تُضرب عنقك عقابا لك على جرائمك في حق مولاك ثم لاحت لك فرصة عفو فاغتنمتها وألقيت بنفسك بين يديه معتذرا له مما جنيت تطلب منه المهلة الأخيرة وتدعوه دعاء الغريق رب اغفر لي .. رب اغفر لي .. رب اغفر لي
لأول مرة ... اراجع شريط ذكرياتي وأتذكر سوابق ذنوبي من نظرة أو لُقمة أو شُبهة حرام أو سهو عن صلاة أو وقوع في عرض مسلم أو ظلم لأحد أو رفع صوت على أم أو أب وأكرر الدعاء بالمغفرة ثلاثا تأكيدا لطلب العفو وتذكيرا بضرورة الصدق وتصميما على بلوغ المغفرة ... وتفاؤلا بالإجابة
السجدة الثانية
ثم ارجع ساجدا كما كنت فإنك لا تكتفي من الله بسجدة واحدة في الركعة كما اكتفيت بركوع واحد بل لا بد من مضاعفة جرعة السجود لفضله وشرفه وقرب العبد فيه من ربه فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد
التكرار
ثم كرر ما مررت به من الأفعال والأقوال من القراءة والركوع والاعتدال من الركوع والسجود فهي غذاء القلب والروح فكررها حتى تشبع نفسك وتُروى من العبودية والقرب والخير والإيمان والمعرفة والإقبال وقوة القلب وانشراح الصدر وزوال درن ووسخ القلب ... فاشكر الله على ركعتك الأولى بالركعة الثانية .. وتدارك ما فاتك فيها عن طريق الثانية والثالثة والرابعة واحذر أن تكون ممن عناهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله " إن الرجل ليُصلي ستين سنة وما تُقبل له صلاة .. ولعله يُتِم الركوع ولا يُتِم السجود ويُتِم السجود ولا يُتِم الركوع " حديث حسن
فهي حكمة الله ودليل على رحمته ولُطفه بتكرار الركعات .. وما لم تُحِط به علما من الصلاة أعلى وأعظم وما هذا إلا يسير من كثير !!