السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف تحاور ذاتك؟
أشعر بأنني وحيد ... لاقيمة لي.... لافائدة حتى لو اجتهدت . بعضهم يقول أشعر بأني قوي.. بأن هناك أصدقاء يدعمونني ... انني يمكن أن أنجز هذا العمل ،وهذه كلها رسائل غير لفظية يطلقها البعض بالسلب والايجاب في حوار صامت مع الذات. وعندما لا تكون هناك منافذ بين يومياتك وذاتك فإنك تحّول الأشياء البسيطة إلى معقدة دون أن تشعر. ففي كل لحظة تمر بنا تدور بيننا وبين ما يحدث في حياتنا حوارات داخلية ، ترسل رسائل وتستقبل أخرى وهي ماتبقيك على قمة الحياة أو خلفها . والتجارب التي نمر بها لا تمضي دون أن تخلق في عالمنا اللا واعي نوعا من التفاوض حول امكانية التعامل معها أو إعطائها الفرصة لتدميرنا. والعقل اللاواعي هو عبارة عن خادم أصم يأخذك إلى حيث تأمره متى ما عرف المكان الذي أقنعت نفسك بأنه الأفضل لك (حتى لو لم يكن)، أي أنه لا يصنع لك حلولا لتحسين حياتك بل إنه يحقق رغباتك كما هي ويتفاعل مع الحياة بحلوها ومرها من خلال ماترسله بنظرتك للأمور . وهذه العملية تتم بشكل أسرع مما تتوقع لأنه لاحدود لقدرة هذا العقل اللاواعي في امتصاص مشاعرك وترجمتها في سلوكك . بل إنها تطلق تأثيرها على حركات جسدك فتعبر بلاإرادة عن مافي داخلك حتى لو حاولت فرض عضلاتك لحبسها عن عيون الآخرين، ولذلك لابد أن تقوم أولا بمجهود لتغيير تلك الشفرات الداخلية في العقل اللاواعي حتى تتواءم مع ما يعبر عنه العقل الواعي .
يقول جيمي والترز( يمكنك تمييزالانسان الماهر في الاتصال بذاته في قدرته على فصل المنغصات اليومية بعيدا عن إمكانياته في التواصل مع الحياة بشكل إيجابي ، فهو قادر على أن ينظم هذه العملية في العقل اللاواعي خصوصا في حالات القلق أو الاكتئاب أو الضغط النفسي
تذكر مثلا آخر مرة أثار فيها شخص ما غضبك أو ضيقك ستجد أن هناك مصفاة داخلية تؤثر على مسار استقبالك للمواقف ، لذلك علينا تحمل مسؤولية تلك اللحظات التي قد تجعلنا ضحية للمعاناة التي نخلقها بطريقة ردود أفعالنا . وعندما تكون خائفا أو قلقا فإن العقل اللاواعي يدفعك لترى أشياء غير حقيقية ولا تستمع إلا للعبارات التي تؤيد مشاعرك. وفي هذه الحالة يوجهك لاختيار ماتقول وكيف تقوله وماذا تفعل حياله) . كذلك عندما تتعرض لمشكلة فإنك تصرف وقتا طويلا في إعطاء مبررات لحدوثها ، وسواء كانت حقيقة أم لا فهي نوع من التخاطب مع فوضوية الحدث داخلك . إنها وسيلة لإيجاد مخرج مع ذاتك حتى تتقبل ماحدث لك أو تتركه يقتل شعورك بالأمل . وهذا الحوار الذاتي تأتي أهميته قبل أهمية قدرتنا على التواصل مع الآخرين، فنحن جميعا نصادف أشخاصا ومواقف في العمل أو المنزل أو الشارع أو غير ذلك قد تقلب يومنا رأسا على عقب ، وتحول هدوءنا إلى عاصفة غير أن قدرتنا على التواصل مع ذواتنا تساعدنا على التعامل مع تلك الطوارئ اليومية وتمنحنا السلام الداخلي . و لايعني ذلك أن المطلوب منك أن تكون ملاكا ، لاتتفاعل مع مايحدث لك . إنما استجابتك لتلك الأحداث اليومية هي الوسيلة للخروج من سخافاتها . [size=24]كيف ؟
حسنا لابد أولا أن تعلم أن الصورة التي تضعها لأي موقف في عقلك هي التي تسّير تصرفاتك ،فإن أردت أن ترى هذا الشخص المؤذي سليط اللسان في العمل عاملا لقتل ثقتك بنفسك فسيكون كذلك. وإن كان خوفك من الغد لأنك لاتملك مالا كافيا سيجعلك تقوم بكل المحاولات غير المشروعة للحصول عليه فإن الحياة لن تمنحك سوى قلق أكبر . هذا الحديث الذاتي الذي لايتوقف في اللاشعور لدينا هو عبارة عن الرسائل التي نرسلها للعالم عن أنفسنا.... فهل سألت نفسك كيف يمكن أن أصنع هذه الرسائل ؟
كيف أترك انطباعا جيدا عن نفسي في أعين الآخرين ؟ هل أريد أن أتركهم مرتاحين ، راضين عن أنفسهم وعني رغم اختلافي معهم أو اختلافي معهم ؟ وغيرها من الأسئلة التي تجعلك منطقيا مع كل حدث فلا تعطي الأمور أكبر من حجمها.
لابد اذا أن يشعر الآخرون بأنهم لم ينجحوا في إفساد يومك وذلك عبر لغة جسدك ، وهدوء أعصابك ولحظات صمت ضرورية لتستجمع أفكارك المشتتة ثم تبدأ في صياغة كلماتك من خلال نقطة واحدة فقط : إن سلوكك الهادئ والمحترم والراقي هو الذي يعبر عنك وليس شفتيك . بعض المتخصصين في علم طب العقل الجسد يوصون في حالة الضغط الشديد أو الغضب أن يغير الشخص مكانه ،أو أن يسترخي في لحظات تأمل لاتتعدى الخمس دقائق مع تنفس منتظم (شهيق وزفير بطيئ من الأنف)، ان يستخدم طريقة الحذف وهي عبارة عن إبعاد أي فكرة تشعل النار في غضبك . لكن كل تلك المحاولات لن تجدي نفعا إن لم تكن لديك مهارة في التصالح مع ذاتك والتخاطب معها برفق فإن فعلت عكس ذلك فلا تلم الآخرين على عدم إحساسهم بقيمتك لأنك أنت من اخترت تلك النتيجة بمنظارك السلبي عن ذاتك الذي امتصه سلوكك ليضع القناع الذي يجبرهم على فهمك بطريقة خاطئة، والتعامل معك على أساس ذلك. واعلم أن الأشخاص الذين يستسلمون للأصوات الداخلية المشوهة بجلد الذات ، واللوم الدائم لأنفسهم ، وتقليل قيمة دورهم ، والهروب من مشاكلهم ، والشكوى العقيمة ، وجلد الآخرين باتهاماتهم، والخوف بدون مبرر ينتهي بهم الحال في زوايا الحياة لأنها ستستمر رغم ضعفهم وهزالة إيمانهم بأنفسهم .
[/size]